فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بعاد (6)}
واعلم أن في جواب القسم وجهين الأول: أن جواب القسم هو قوله: {إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد} وما بين الموضعين معترض بينهما.
الثاني: قال صاحب (الكشاف): المقسم عليه محذوف وهو لنعذبن الكافرين، يدل عليه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ} إلى قوله: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عذاب} وهذا أولى من الوجه الأول لأنه لما لم يتعين المقسم عليه ذهب الوهم إلى كل مذهب، فكان أدخل في التخويف، فلما جاء بعده بيان عذاب الكافرين دل على أن المقسم عليه أولاً هو ذلك.
أما قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ} ففيه مسألتان:
المسألة الأولى:
ألم تر، ألم تعلم لأن ذلك مما لا يصح أن يراه الرسول وإنما أطلق لفظ الرؤية هاهنا على العلم، وذلك لأن أخبار عاد وثمود وفرعون كانت منقولة بالتواتر! أما عاد وثمود فقد كانا في بلاد العرب وأما فرعون فقد كانوا يسمعونه من أهل الكتاب، وبلاد فرعون أيضًا متصلة بأرض العرب وخبر التواتر يفيد العلم الضروري، والعلم الضروري جار مجرى الرؤية في القوة والجلاء والبعد عن الشبهة، فلذلك قال: {أَلَمْ تَرَ} بمعنى ألم تعلم.
المسألة الثانية:
قوله: {أَلَمْ تَرَ} وإن كان في الظاهر خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم لكنه عام لكل من علم ذلك.
والمقصود من ذكر الله تعالى حكايتهم أن يكون زجراً للكفار عن الإقامة على مثل ما أدى إلى هلاك عاد وثمود وفرعون وقومه، وليكون بعثاً للمؤمنين على الثبات على الإيمان.
أما قوله تعالى: {بعاد إِرَمَ ذَاتِ العماد} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
أنه تعالى ذكر هاهنا قصة ثلاث فرق من الكفار المتقدمين وهي عاد وثمود وقوم فرعون على سبيل الإجمال حيث قال: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عذاب} ولم يبين كيفية ذلك العذاب، وذكر في سورة الحاقة بيان ما أبهم في هذه السورة فقال: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ} [الحاقة: 5- 6] إلى قوله: {وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ والمؤتفكات بِالْخَاطِئَةِ} [الحاقة: 9- 9] الآية.
المسألة الثانية:
عاد هو عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح، ثم إنهم جعلوا لفظة عاد اسماً للقبيلة كما يقال لبني هاشم هاشم ولبني تميم تميم، ثم قالوا للمتقدمين من هذه القبيلة عاد الأولى قال تعالى: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأولى} [النجم: 50] وللمتأخرين عاد الأخيرة، وأما إرم فهو اسم لجد عاد، وفي المراد منه في هذه الآية أقوال: أحدها: أن المتقدمين من قبيلة عاد كانوا يسمون بعاد الأولى فلذلك يسمون بإرم تسمية لهم باسم جدهم.
والثاني: أن إرخم اسم لبلدتهم التي كانوا فيها ثم قبل تلك المدينة هي الإسكندرية وقيل دمشق..
والثالث: أن إرم أعلام قوم عاد كانوا يبنونها على هيئة المنارة وعلى هيئة القبور، قال أبو الدقيش: الأروم قبور عاد، وأنشد:
بها أروم كهوادي البخث ** ومن الناس من طعن في قول من قال: إن إرم هي الإسكندرية أو دمشق، قال: لأن منازل عاد كانت بين عمان إلى حضرموت وهي بلاد الرمال والأحقاف، كما قال: {واذكر أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بالأحقاف} [الأحقاق: 21] وأما الإسكندرية ودمشق فليستا من بلاد الرمال.
المسألة الثالثة:
إرم لا تنصرف قبيلة كانت أو أرضاً للتعريف والتأنيث.
المسألة الرابعة:
في قوله: {إِرَمَ} وجهان وذلك لأنا إن جعلناه اسم القبيلة كان قوله: {إِرَمَ} عطف بيان لعاد وإيذاناً بأنهم عاد الأولى القديمة وإن جعلناه اسم البلدة أو الأعلام كان التقدير بعاد أهل إرم ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، كما في قوله: {واسئل القرية} [يوسف: 82] ويدل عليه قراءة ابن الزبير {بعاد إرم} على الإضافة.
المسألة الخامسة:
قرأ الحسن: {بعاد إِرَمَ} مفتوحين وقرئ: {بعاد إِرَمَ} بسكون الراء على التخفيف كما قرئ: {بِوَرِقِكُمْ} [الكهف: 19] وقرئ: {بعاد إِرَمَ ذَاتِ العماد} بإضافة {إِرَمَ} إلى {ذَاتِ العماد} وقرئ: {بعاد إِرَمَ ذَاتِ العماد} بدلاً من {فعل ربك}، والتقدير: ألم تر كيف فعل ربك بعاد جعل ذات العماد رميماً.
أما قوله: {ذَاتِ العماد} ففيه مسألتان:
المسألة الأولى:
في إعرابه وجهان وذلك لأنا إن جعلنا: {إِرَمَ} اسم القبيلة فالمعنى أنهم كانوا بدويين يسكنون الأخبية والخيام والخبار لابد فيها من العماد، والعماد بمعنى العمود.
وقد يكون جمع العمد أو يكون المراد بذات العماد أنهم طوال الأجسام على تشبيه قدودهم بالأعمدة وقيل: ذات البناء الرفيع، وإن جعلناه اسم البلد فالمعنى أنها ذات أساطين أي ذات أبنية مرفوعة على العمد وكانوا يعالجون الأعمدة فينصبونها ويبنون فوقها القصور، قال تعالى في وصفهم: {أَتَبْنُونَ بِكُلّ رِيعٍ ءايَةً تَعْبَثُونَ} [الشعراء: 128] أي علامة وبناء رفيعاً.
المسألة الثانية:
روي أنه كان لعاد ابنان شداد وشديد فملكا وقهرا ثم مات شديد وخلص الأمر لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها. فسمع بذكر الجنة فقال: ابني مثلها، فبنى إرم في بعض صحارى عدن في ثلثمائة سنة وكان عمره تسعمائة سنة وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت وفيها أصناف الأشجار والأنهار، فلما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا، وعن عبد الله بن قلابة أنه خرج في طلب إبل له فوصل إلى جنة شداد فحمل ما قدر عليه مما كان هناك وبلغ خبره معاوية فاستحضره وقص عليه، فبعث إلى كعب فسأله، فقال: هي إرم ذات العماد، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عنقه خال، يخرج في طلب إبل له، ثم التفت فأبصر ابن (أبي) قلابة فقال: هذا والله هو ذلك الرجل.
أما قوله: {التي لَمْ يُخلق مِثْلُهَا فِي البلاد} فالضمير في (مثلها) إلى ماذا يعود؟ فيه وجوه:
الأول: {لَمْ يُخلق مِثْلُهَا} أي مثل عاد في البلاد في عظم الجثة وشدة القوة، كان طول الرجل منهم أربعمائة ذراع وكان يحمل الصخرة العظيمة فيلقيها على الجمع فيهلكوا.
الثاني: لم يخلق مثل مدينة شداد في جميع بلاد الدنيا.
وقرأ ابن الزبير {لَمْ يُخلق مِثْلُهَا} أي لم يخلق الله مثلها.
الثالث: أن الكناية عائدة إلى العماد أي لم يخلق مثل تلك الأساطين في البلاد، وعلى هذا فالعماد جمع عمد، والمقصود من هذه الحكاية زجر الكفار فإنه تعالى بين أنه أهلكهم بما كفروا وكذبوا الرسل، مع الذي اختصوا به من هذه الوجوه، فلأن تكونوا خائفين من مثل ذلك أيها الكفار إذا أقمتم على كفركم مع ضعفكم كان أولى.
أما قوله تعالى: {وثمود الذين جَابُواْ الصخر بالواد} فقال الليث: الجواب قطعك الشيء كما يجاب الجيب يقال جاب يجوب جوباً.
وزاد الفراء يجيب جيباً ويقال: جبت البلاد جوباً أي جلت فيها وقطعتها، قال ابن عباس: كانوا يجوبون البلاد فيجعلون منها بيوتاً وأحواضاً وما أرادوا من الأبنية، كما قال: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً} [الأعراف: 74] قيل: أول من نحت الجبال والصخور والرخام ثمود، وبنوا ألفاً وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة، وقوله: {بالواد} قال مقاتل: بوادي القرى.
وأما قوله تعالى: {وَفِرْعَوْنَ ذي الأوتاد} فالاستقصاء فيه مذكور في سورة ص، ونقول: الآن فيه وجوه:
أحدها: أنه سمي ذا الأوتاد لكثرة جنوده ومضاربهم التي كانوا يضربونها إذا نزلوا.
وثانيها: أنه كان يعذب الناس ويشدهم بها إلى أن يموتوا، روى عن أبي هريرة أن فرعون وتد لامرأته أربعة أوتاد وجعل على صدرها رحا واستقبل بها عين الشمس فرفعت رأسها إلى السماء وقالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة، ففرج الله عن بيتها في الجنة فرأته.
وثالثها: ذي الأوتاد، أي ذي الملك والرجال، كما قال الشاعر:
في ظل ملك راسخ الأوتاد

ورابعها: روى قتادة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن تلك الأوتاد كانت ملاعب يلعبون تحتها لأجله، واعلم أن الكلام محتمل لكل ذلك، فبين الله تعالى لرسوله أن كل ذلك مما تعظم به الشدة والقول والكثرة لم يمنع من ورود هلاك عظيم بهم، ولذلك قال تعالى: {الذين طَغَوْاْ فِي البلاد}.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
يحتمل أنه يرجع الضمير إلى {فرعون} خاصة لأنه يليه، ويحتمل أن يرجع إلى جميع من تقدم ذكرهم، وهذا هو الأقرب.
المسألة الثانية:
أحسن الوجوه في إعرابه أن يكون في محل النصب على الذم، ويجوز أن يكون مرفوعاً على الإخبار، أي هم الذين طغوا أو مجروراً على وصف المذكورين عاد وثمود وفرعون.
المسألة الثالثة:
{طَغَوْاْ فِي البلاد} أي عملوا المعاصي وتجبروا على أنبياء الله والمؤمنين ثم فسر طغيانهم بقوله تعالى: {فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الفساد} ضد الصلاح فكما أن الصلاح يتناول جميع أقسام البر، فالفساد يتناول جميع أقسام الإثم، فمن عمل بغير أمر الله وحكم في عباده بالظلم فهو مفسد ثم قال تعالى: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عذاب} واعلم أنه يقال: صب عليه السوط وغشاه وقنعه، وذكر السوط إشارة إلى أن ما أحله بهم في الدنيا من العذاب العظيم بالقياس إلى ما أعد لهم في الآخرة، كالسوط إذا قيس إلى سائر ما يعذب به.
قال القاضي: وشبهه بصب السوط الذي يتواتر على المضروب فيهلكه، وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال: إن عند الله أسواطاً كثيرة فأخذهم بسوط منها.
فإن قيل: أليس أن قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بما كسبوا مَّا تَرَكَ على ظهرها من دَابَّةٍ} [فاطر: 45] يقتضي تأخير العذاب إلى الآخرة فكيف الجمع بين هاتين الآيتين؟
قلنا: هذه الآية تقتضي تأخير تمام الجزاء إلى الآخرة والواقع في الدنيا شيء من ذلك ومقدمة من مقدماته.
ثم قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد} تقدم عند قوله: {كَانَتْ مِرْصَاداً} [النبأ: 21] ونقول: المرصاد المكان الذي يترقب فيه الراصد مفعال من رصده كالميقات من وقته، وهذا مثل لإرصاده العصاة بالعقاب وأنهم لا يفوتونه، وعن بعض العرب أنه قيل له: أين ربك؟ فقال: بالمرصاد، وللمفسرين فيه وجوه:
أحدها: قال الحسن: يرصد أعمال بني آد.
وثانيها: قال الفراء: إليه المصير، وهذان الوجهان عامان للمؤمنين والكافرين، ومن المفسرين من يخص هذه الآية إما بوعيد الكفار، أو بوعيد العصاة، أما الأول فقال الزجاج: يرصد من كفر به وعدل عن طاعته بالعذاب، وأما الثاني فقال الضحاك: يرصد لأهل الظلم والمعصية، وهذه الوجوه متقاربة. اهـ.

.قال ابن عطية:

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بعاد (6)}
ثم وقف تعالى على مصانع الأمم الخالية الكافرة وما فعل ربك من التعذيب والإهلاك والمراد بذلك توعد قريش ونصب المثل لها. و{عاد} قبيلة لا خلاف في ذلك، واختلف الناس في {إرم} فقال مجاهد وقتادة: هي القبيلة بعينها، وهذا على قول ابن الرقيات: المنسرح:
مجدًّا تليداً بناه أوله ** أدرك عاداً وقبله إرما

وقال زهير: البسيط:
وآخرين ترى الماذي عدتهم ** من نسج داود أو ما أورثت إرم

قال ابن إسحاق: {إرم} هو أبو عاد كلها، وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وقال: هو أحد أجدادها، وقال جمهور المفسيرين: {إرم} مدينة لهم عظيمة كانت على وجه الدهر باليمن، وقال محمد بن كعب: هي (الإسكندرية)، وقال سعيد بن المسيب والمقري: هي دمشق، وهذان القولان ضعيفان، وقال مجاهد {إرم} معناه القديمة.
وقرأ الجمهور: {بعاد وإرمٍ} فصرفوا (عاداً) على إرادة الحي ونعت بـ: {إرم} بكسر الهمزة على أنها القبيلة بعينها، ويؤيد هذا قول اليهود للعرب: سيخرج فينا نبي نتبعه نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فهذا يقتضي أنها قبيلة، وعلى هذه القراءة يتجه أن يكون {إرم} أباً لعاد أو جدًّا غلب اسمه على القبيل.
وقرأ الحسن بن أبي الحسن {بعاد إرمٍ} بترك الصرف في (عاد) وإضافتها إلى {إرم}، وهذا يتجه على أن يكون {إرم} أباً أو جدًّا وعلى أن تكون مدينة.
وقرأ الضحاك {بعاد أرَمَ} بفتح الدال والهمزة من {أرَمَ} وفتح الراء والميم على ترك الصرف في (عاد) والإضافة.
وقرأ ابن عباس والضحاك {بعاد إرمّ} بشد الميم على الفعل الماضي بمعنى بلى وصار رميماً، يقال ارمّ العظم وأرم وأرمه الله تعدية رم بالهمزة.
وقرأ ابن عباس أيضًا: {ارم ذاتَ} بالنصب في التاء على إيقاع الإرمام عليها، أي أبلاها ربك وجعلها رميماً.
وقرأ ابن الزبير: {أرِم ذات العماد} بفتح الهمزة وكسر الراء، وهي لغة في المدينة.
وقرأ الضحاك بن مزاحم {أرْم} بسكون الراء وفتح الهمزة وهو تخفيف في {ارم} كفخذة وفخذ، واختلف الناس في قوله تعالى: {ذات العماد} فمن قال: {إرم} مدينة، قال العماد أعمدة الحجارة التي بنيت بها، وقيل القصور العالية والأبراج يقال لها عماد، ومن قال: {إرم} قبيلة قال: {العماد} إما أعمدة بنيانهم وإما أعمدة بيوتهم التي يرحلون بها لأنهم كانوا أهل عمود ينتجعون البلاد، قاله مقاتل وجماعة.
وقال ابن عباس: هي كناية عن طول أبدانهم.
وقرأ الجمهور: {يُخلق} بضم الياء وفتح اللام {مثلُها} رفعاً.
وقرأ ابن الزبير {يَخلق} بفتح الياء وضم اللام {ومثلَها} نصباً، وذكر أبو عمرو الداني عنه أنه قرأ: {نخلق} بالنون وضم اللام {مثلَها} نصباً، وذكر التي قبل هذه عن عكرمة، والضمير في {مثلها} يعود إما على المدينة وإما على القبيلة.
وقرأ يحيى بن وثاب {وثموداً} بتنوين الدال، و{جابوا الصخر} معناه خرقوه ونحتوه، وكانوا في أوديتهم قد نحتوا بيوتهم في حجارة، و(الوادي) ما بين الجبلين وإن لم يكن فيه ماء، هذا قول كثير من المفسرين في معنى {جابوا الصخر بالواد} وقال الثعلبي: يريد بوادي القرى، وقال قوم: المعنى جابوا واديهم وجلبوا ماءهم في صخر شقوه، وهذا فعل ذوي القوة والآمال.
وقرأ ابن كثير {بالوادي} بياء.
وقرأ أكثر السبعة {بالواد} ياء واختلف في ذلك نافع، وقد تقدم هذا، {وفرعون} هو فرعون موسى، واختلف الناس في أوتاده فقيل أبنيته العالية العظيمة، قاله محمد بن كعب، وقيل جنوده الذين بهم يثبت ملكه وقيل المراد أوتاد أخبية عساكره وذكرت لكثرتها ودلالتها على غزواته وطوفه في البلاد، قاله ابن عباس ومنه قول الأسود بن يعفر:
في ظل ملك ثابت الأوتاد

وقال قتادة: كان له أوتاد يلعب عليها الرجال بين يديه وهو مشرف عليهم، وقال مجاهد: كان يوتد الناس بأوتاد الحديد يقتلهم بذلك يضربها في أبدانهم حتى تنفذ إلى الأرض، وقيل إنما فعل ذلك بزوجته آسية، وقيل إنما فعل بماشطة ابنته لأنها كانت آمنت بموسى، والطغيان تجاوز الحدود، والصب يستعمل في السوط لأنه يقتضي سرعة في النزول، ومنه قول الشاعر في المحدودين في الإفك:
فصبت عليهم محصرات كأنها ** شآبيب ليست من سحاب ولا قطر

ومن ذلك قول المتأخر في صفة الخيل:
صببنا عليها ظالمين سياطنا ** فطارت بها أيد سراع وأرجل

اهـ.